جعل الأزهار

ألوانها معدنية براقة. تتراوح بين الأخضر الزمردي اللامع، والأزرق الميتاليكي العميق، وصولًا إلى الذهبي والنحاسي المتلألئ. هذه ليست مجرد صبغات، بل هي نتيجة لتركيب هيكلها الخارجي الذي يكسوه بريق خاص، يجعلها تبدو وكأنها مصقولة بأيدي فنان. حينما تتحرك، تتراقص هذه الألوان وتتغير مع زاوية الضوء، وكأنها ترتدي وشاحًا من الألوان المتغيرة. تقضي معظم وقتها بين بتلات الزهور المفتوحة. تراها تتنقل بخفة ورشاقة لا تُضاهى، تسبح في الهواء كأنها حلم، ثم تهبط برفق على زهرة لتبدأ في جمع الرحيق وحبوب اللقاح. حركاتها داخل الزهرة سلسة ومنظمة، وكأنها راقصة باليه تؤدي عرضها برشاقة بين البتلات. تلك هي خنفساء جعل الأزهار.
من هي خنفساء جعل الأزهار؟ وما الذي يجعلها مميزة؟

خنفساء جعل الأزهار (Flower chafers) هي مجموعة واسعة ومتنوعة من الخنافس التي تنتمي إلى فصيلة الجُعليات (Scarabaeidae)، وهي نفس الفصيلة التي تضم الخنافس الشهيرة مثل خنفساء الروث والخنافس وحيدة القرن. ما يميز خنافس جعل الأزهار بشكل خاص هو ارتباطها الوثيق بالزهور، فهي تقضي معظم حياتها البالغة بين البتلات الملونة.
هناك الآلاف من أنواع خنافس جعل الأزهار حول العالم، وتختلف هذه الأنواع في الحجم واللون والشكل. لكن المشترك بينها هو أنها غالبًا ما تكون ذات ألوان زاهية ولامعة، وكأنها ترتدي دروعًا معدنية متلألئة. بعضها يمتلك ألوانًا خضراء زمردية، وبعضها الآخر أزرق أو أحمر أو حتى مزيجًا من عدة ألوان! هذه الألوان ليست للتباهي فحسب، بل تساعدها أيضًا في التمويه بين الزهور الملونة.
شكلها وخصائصها: محارب متلألئ

عندما نرى خنفساء جعل الأزهار، أول ما يلفت الانتباه هو درعها الخارجي الصلب اللامع، والذي يُعرف باسم الكايتين. هذا الدرع يحميها من المفترسات ويساعدها على مقاومة الظروف البيئية. عادة ما تكون هذه الخنافس بيضاوية الشكل أو مستطيلة قليلاً، بأحجام تتراوح من بضعة ملليمترات إلى عدة سنتيمترات، حسب النوع.
تمتلك خنافس جعل الأزهار ستة أرجل قوية تساعدها على التسلق والتشبث بالنباتات. وأكثر ما يميزها هي أجنحتها: لديها زوجان من الأجنحة. الزوج العلوي سميك وصلب ولامع ويسمى الغمدان (elytra)، وهو ما يمنحها مظهرها المدرع. هذا الزوج لا يستخدم للطيران، بل يحمي الزوج الثاني من الأجنحة الرقيقة والخفيفة التي تستخدمها للطيران. عندما تطير خنفساء جعل الأزهار، ترفع الغمدين لتسمح للأجنحة الطائرة بالتحرك.
رأسها صغير نسبيًا ويحتوي على عينين مركبتين تساعدانها على رؤية الزهور والألوان. ولديها أيضًا زوج من قرون الاستشعار القصيرة التي تنتهي بهياكل تشبه الصفائح، والتي تستخدمها في الشم وتحديد موقع الزهور والطعام.

دورة حياتها: تحول مدهش من يرقة إلى خنفساء
مثل العديد من الحشرات، تمر خنفساء جعل الأزهار بدورة حياة كاملة تتكون من أربع مراحل:
- البيضة: تضع أنثى الخنفساء البيض في التربة أو بين المواد النباتية المتحللة.
- اليرقة (Grub): تفقس البيضة لتخرج منها يرقة بيضاء اللون، سميكة، ومنحنية على شكل حرف “C”. هذه اليرقات تعيش في التربة أو في الخشب المتحلل، وتتغذى على المواد العضوية المتحللة أو جذور النباتات. بعض يرقات خنافس جعل الأزهار تلعب دورًا مهمًا في تحليل المواد العضوية وإعادة العناصر الغذائية للتربة.
- الخادرة (Pupa): بعد أن تنمو اليرقة وتصل إلى حجمها الكامل، تتحول إلى خادرة. في هذه المرحلة، لا تتحرك اليرقة، وتحدث داخلها تحولات كبيرة لتتطور إلى خنفساء بالغة.
- الخنفساء البالغة: تخرج الخنفساء البالغة من الخادرة، وهي الشكل الذي نراه يطير ويتحرك بين الزهور. هذه الخنافس هي المسؤولة عن التكاثر ووضع جيل جديد.
حياتها اليومية: نشاط وحركة بين الزهور
تقضي خنافس جعل الأزهار البالغة معظم وقتها في النهار. فهي تحتاج إلى ضوء الشمس لتنشيطها، ويمكنكم رؤيتها وهي تتنقل بين الزهور والأوراق. إليكم كيف تقضي يومها:
- البحث عن الطعام: تتغذى خنافس جعل الأزهار على حبوب اللقاح والرحيق الموجود في الزهور. تستخدم فمها الخاص، الذي يحتوي على أجزاء تشبه الفرشاة، لجمع حبوب اللقاح.
- التلقيح: أثناء بحثها عن الطعام، تنتقل حبوب اللقاح مع الفراشة من زهرة إلى أخرى، مما يساعد على تلقيح النباتات. هذا الدور مهم جدًا لبقاء العديد من أنواع النباتات، بما في ذلك المحاصيل الزراعية.
- التزاوج: تبحث الخنافس البالغة عن شركاء للتزاوج، وغالبًا ما تتم عملية التزاوج على الزهور أو أجزاء النبات.
- الطيران: عندما لا تكون على زهرة، تطير خنفساء جعل الأزهار بسرعة بحثًا عن زهور جديدة أو شركاء. طيرانها قد يكون عشوائيًا بعض الشيء.
- الراحة: قد تستريح الخنافس لفترات قصيرة على الأوراق أو الزهور، خاصة في الأيام الحارة جدًا.
دورها البيئي: أكثر من مجرد جمال

على الرغم من أنها قد تبدو مجرد حشرات جميلة، إلا أن خنافس جعل الأزهار تلعب أدوارًا حيوية في نظامنا البيئي:
- الملقحات: هي ملقحات مهمة للعديد من أنواع النباتات. من دونها، قد لا تتمكن الكثير من الزهور من إنتاج البذور والثمار، مما يؤثر على السلسلة الغذائية بأكملها.
- تحليل المواد العضوية: تساعد يرقات خنافس جعل الأزهار في تحليل المواد النباتية المتحللة في التربة، مما يعيد العناصر الغذائية الأساسية للتربة ويدعم نمو النباتات الجديدة.
- مصدر غذاء: تعتبر خنافس جعل الأزهار، في مراحلها المختلفة (يرقات وخنافس بالغة)، مصدر غذاء للعديد من الحيوانات الأخرى مثل الطيور والسحالي والثدييات الصغيرة.
كيف نحمي خنفساء جعل الأزهار؟
تواجه خنافس جعل الأزهار، مثل العديد من الحشرات الأخرى، بعض التهديدات بسبب الأنشطة البشرية، مثل:
- فقدان الموائل: تدمير الموائل الطبيعية التي تنمو فيها الزهور والنباتات.
- استخدام المبيدات الحشرية: هذه المبيدات يمكن أن تقتل الخنافس وتضر بها بشكل مباشر أو غير مباشر.
- تغير المناخ: يمكن أن يؤثر على أوقات إزهار النباتات وتوفر الغذاء.
للمساعدة في حماية خنافس جعل الأزهار، يمكننا القيام بما يلي:
- زراعة الزهور: شجعوا على زراعة أنواع مختلفة من الزهور في حدائقكم ومدارسكم، وخاصة الزهور المحلية التي تفضلها هذه الخنافس.
- تجنب المبيدات الحشرية: قللوا أو تجنبوا استخدام المبيدات الحشرية في حدائقكم. ابحثوا عن طرق طبيعية لمكافحة الآفات.
- دعم المحافظة على الموائل: شجعوا على حماية المناطق الطبيعية والأراضي الرطبة التي تعد موطنًا لهذه الخنافس.